كانت الشمس تتجه ناحية الغروب عندما كان أهالى قرية صول بإطفيح من الفلاحين البسطاء فى طريقهم للعودة إلى بيوتهم المتواضعة بعد عناء يوم طويل فى الغيطان.. فى تلك اللحظات فقط تستطيع أن ترى القرية بأكملها وبكل ملامحها فى الشارع وهى عادة ريفية يدركها من عاش فى القرى فمن المعهود أن وقت الذروة فى الأرياف يبدأ قبيل صلاة المغرب.
كتب وصور : محمد شعبان
جميع أهالى القرية بلا استثناء يرتدون الجلابية الفلاحى والشال الصوف لا فرق فى ذلك بين متعلم وغير متعلم، وفى دروب القرية وأزقتها المظلمة انتشرت وحدات من أفراد الجيش لتأمين بعض الشوارع خاصة القريبة من الكنيسة التى تعرضت للهدم، ولقد عاش أهالى صول لحظات فارقة لم تحدث من قبل وربما لن تتكرر ثانية وسيظل ما حدث حكاية تتناقلها الأجيال، وبالأمس كانت القرية كلها تتأهب لاستقبال الشيخ محمد حسان ومن معه من الضيوف الزوار للوصول لقرار نهائى يعيد الهدوء والصفاء إلى القرية البالغ عدد سكانها نحو 50 ألف مواطن، بينهم 5 آلاف قبطي، وذلك بعد اجتماع عاصف حضره شيوخ عائلات البلد وقد أعلنوا فيه قبولهم بحكم علماء الدين مهما كان.
إن ما حدث فى القرية لم يكن فتنة طائفية بقدر ما كان فتنة ريفية نابعة من العادات والتقاليد وهى أزمة قد تحدث فى أى وقت بين المسلمين أنفسهم، فالحكاية ببساطة كما ذكرها لنا عم عبد الحكيم محمد عويس أحد جيران الكنيسة أن صول قرية ريفية والفلاحين ناس عندهم أصول وعادات وتقاليد وما يغمضوش عينهم عن الغلط واللى حصل أنه كانت هناك علاقة مش كويسة بين رجلين مسيحيين وبنتين مسلمتين وعندما كشفنا السر والحكاية بقت على كل لسان فى أهل البلد قررنا إننا نعاقب أبو واحد من البنتين اللى عرفناهم وبعدين الراجل ده مات فى الخناقة وابن عمه أراد أن يدافع عنه فمات هو الآخر لأنهم سكتوا على الغلط ورضوا بالعار، وعلى كل حال الكنيسة دى موجودة بيننا من 11 سنة ولم يحدث أبدا أى مشكلة بيننا وبين المسيحيين خالص بل أننا نتعاون مع بعضنا فى العمل وفى الحياة، ولم يعتدى أحد على المسيحيين بل أننا حمينا بيوتهم ووقفنا معاهم والدنيا إن شاء الله ستعود لما كانت عليه.
وبينما كان عم محمد عبد الحكيم يقف بجوار الشارع مع عساكر الجيش فقد خرج أهالى القرية فى مواكب متجهين إلى السرداق الذى أعد خصيصاً لإستقبال الشيخ محمد حسان وضيوفه ..
أغلب أهالى القرية أكدوا أنهم يعشقون قناة الرحمة وأنهم حزنوا بشدة بعد توقفها وكانوا يستمعون لأحاديث الشيخ حسان عبر أشرطة الكاسيت كبديل حتى تعود القناة مجدداً كما تنتشر المساجد بشكل كبير فى القرية حيث يصل عددها للعشرات أيضاً تنتشر الكتاتيب حيث يحرص الأهالى على تحفيظ القرآن الكريم لأبناءهم .
وكان السرادق غرب البلد ونظراً للتوافد الكبير فقد تم وضع شاشتى عرض كبيرتين إحداهما كانت على حافة الترعة فمن لم يستطع أن يدخل إلى السرادق اكتفى بالجلوس أمام الشاشة.
وخرج الشيخ محمد حسان ومن معه الساعة 7 مساءً لإلقاء خطبة حول ما تم التوصل إليه بين كبار البلد من المسلمين والمسيحيين بشأن الكنيسة وبحضور ممثلين عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة وقد بدأ الكلام فى اللقاء الشيخ صفوت حجازى حيث قال: نحن راجعنا شيوخنا من أهل العلم والحكمة وأخذنا برأى الشرع وكلنا يجب أن نستمع إلى شرع الله سبحانه وتعالى ونخضع له وقد عدنا فى قرارنا الذى اتخذناه إلى 20 عالماً وكل عالم منهم يستطيع أن يحكم فى أمة بأكلمها، ثم تقدم الشيخ محمد حسان الحاضرين ليلقى كلمته حيث قال: يا أهل قرية صول الطيبة حياكم الله ورفع شأنكم وقدركم كما رفعتم قدر القرآن والسنة وكما رفعتم قدر علماءكم أسأل الله أن يعلى شأنكم وأن يرسل عليكم رحماته وبركاته، إن الإسلام دين العدل والرحمة وقال ربنا جل شأنه "وما ربك بظلام للعبيد" وعن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن آبائهم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا من ظلم معاهدا، أو انتقصه حقاً، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة). رواه أبو داود. إن المسلمين يتضرعون إلى الله جل شأنه أن يكون نبينا شفيعاً لنا يوم القيامة وبعد.. فإن قضية صول ليست قضية خاصة بأهل صول فقط وإنما هى قضية مصر وهى قضية تؤثر على أمن مصر بأسرها وهى مصر البلد الطيب أرض الأنبياء مصر الكنانة ولهذا واجب على كل مواطن أن يحمى بلدنا بروحه ودمه وأن يحمى مكتسبات هذا الوطن، أما بالنسبة لقرار بناء الكنيسة فقد خشيت أنا وإخوانى من أهل العلم أن نتخذ قراراً بمفردنا فعدنا إلى أهل العلم من الشرفاء الذين نشهد لهم بالأمانة والصدق فى الطرح وأشهد الله عز وجل أنه لا يوجد واحد من هؤلاء العلماء ممن يطمحون فى منصب سياسى أو دينى وإنما يريدون جميعاً رضا الله وهؤلاء العلماء هم: الدكتور صفوت حجازى والدكتور عبد الله بركات والدكتور محمود عزت والدكتور محمد عبد السلام والدكتور شوقى عبد اللطيف والدكتور محمد عبد المقصود والدكتور محمد إسماعيل والدكتور ياسر برهامى والدكتور عبد الله شاكر والدكتور جمال المراكبى والدكتور جمال عبد الهادى والدكتور مصطفى البدوى والدكتور ممدوح جابر والشيخ أبو إدريس والشيخ أحمد حطيبة والشيخ أبو بكر الحنبلى والشيخ محمد حسين يعقوب والدكتور جمال عبد الرحمن والدكتور محمد صلاح والعبد الفقير إلى الله الشيخ محمد حسان وقد استمعنا جميعا لآراء بعضنا البعض واتفقنا على إصدار هذا البيان الآتى نصه :
- أولا: حل المشكلات المتجددة بين المسلمين والأقباط لن يتم بلقاءات المشايخ والقساوسة أو برفع الهلال مع الصليب دون حل جذرى لهذه المشكلات بالعدل والحق.
- ثانيا: ندعوا المسليمن والأقباط أن يغلبوا المصلحة العامة على المصلحة الخاصة للخروج من مثل هذه الأزمات.
- ثالثا: عدم الاستقواء بالخارج فذلك يشعل نار الفتنة .
- رابعا: الالتزام بأحكام القضاء الذى لا نشك أبداً فى نزاهته.
- خامسا: تجنب الابتزاز السياسى بالضغط على الدولة لتحقيق بعض المكاسب السياسية أو الطائفية
- سادساً: عودة الأقباط الذين خرجوا من صول إلى بيوتهم فالمسلمون هنا لا يزالون قائمون بحمايتهم ولا يكرهون أحداً على الخروج من هذا البلد الكريم.
- سابعاً: حسب الفتوى ووفقاً للأحكام العامة لشرع الله ولفتوى أهل العلم الذين ذكرنا أسماءهم فقد قرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة إعادة بناء الكنسية على ما كانت عليه بلا زيادة أو نقصان وتحت إشراف الهيئة العامة للقوات المسلحة هذا ومن أخطأ من المسلمين والأقباط يتحمل مسئولية خطأه وفقاً للقانون.
وباسم الأزهر الشريف تحدث الشيخ عبد الله بركات داعياً للوحدة ونبذ العنف وقال لقد احتكمنا جميعاً الى شرع الله عز وجل وشريعة الله هى ضمان العدل والمساواة وهى مفتاح الجنة والنار ونحن جميعاً مسلمون ومسيحيون أبناء وطن واحد لنا ما لنا وعلينا جميعاً ما علينا، ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبرة عندما أقام مدينة العدل وآخى بين المهاجرين والأنصار وجعل الجميع من أهل المدينة أمة واحدة ولهذا نحن نرفض المزايدة على وطننا الحبيب وقولوا للحاقدين موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور إنه ولى ذلك والقادر عليه.
وبعد نهاية كلام الضيوف خرج أهالى القرية فى مواكب حاملين لافتات تدعو للوحدة الوطنية وقد قالوا جميعاً بصوت مرتفع "رضينا بشرع الله وحكمه" كما أبدوا سعادتهم بقرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أعلن أنه سيتم إنشاء مخبز آلى وساحة شعبية لشباب القرية كما ستقوم القوات المسلحة بتطوير الوحدة الصحية وتزويدها بوحدة أشعة.
وفى تمام الساعة التاسعة مساء وبينما كان أهل صول يتأهبون للعودة لبيوتهم استعدادا ليوم عمل شاق كعادتهم توجهت قوة عسكرية مكونة من نحو 50 جندى إلى مقر الكنيسة لإزالة الركام المتخلف عنها تمهيدا لإعادة بناءها وكان كل عسكرى يحمل فى يده "مقطف وكوريك" كما صاحبتهم أيضا قوة من الداخلية حيث تعاون الجيش والشرطة طوال الأيام الماضية فى تأمين القرية بالمدرعات والدبابات ووحدات الأمن المركزى وقد نشأت علاقة قائمة على الود بينهم وبين أهالى القرية من البسطاء والذين فتحوا بيوتهم لاستقبالهم كضيوف أعزاء على هذا البلد الطيب.
0 التعليقات:
إرسال تعليق