أعلنت دولة جنوب السودان استعدادها الجدى للانسحاب من مدينة «أبيى» الغنية بالنفط والمتنازع عليها مع السودان بعد أن تلقت عرضاً بـ8 مليارات دولار من الصين لتمويل مشروعات تتعلق بالبنية التحتية، فى خطوة اعتبرها مراقبون دليلاً على نجاح ما أطلقوا عليه «دبلوماسية الذهب الأسود» لبكين فى دولتى السودان حيث تتمتع الصين بنفوذ اقتصادى وسياسى كبير على البلدين.
وأعلنت جوبا، السبت ، أنها مستعدة لسحب قواتها من أبيى تلبية لطلب الاتحاد الأفريقى. وقالت إن الانسحاب سيكون فورياً، واشترطت للانسحاب ضمان الأمم المتحدة أمن الجنوبيين فى المنطقة. وقال المتحدث باسم حكومة جنوب السودان، برنابا ماريال بنجامين، إن «وزير الداخلية سيسمح بانسحاب قوة شرطة جنوب السودان من أبيى»، مشترطاً أن تضمن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقى أمن مواطنى الجنوب بالمنطقة. وكان الاتحاد الأفريقى جدد فى الشهر الجارى «مطالبته بإعادة الانتشار الفورى وغير المشروط لـ300 جندى سودانى و700 عنصر من القوات المسلحة لجنوب السودان خارج منطقة أبيى». وتمثل أبيى واحدة من مناطق حدودية عدة متنازع عليها، وقد شهدت معارك منذ انفصال الجنوب فى يوليو الماضى.
جاء هذا القرار بعد أن أعلن بنجامين برنابا، وزير الإعلام بدولة جنوب السودان، أن الصين عرضت على بلاده تمويلا تنمويا بـ8 مليارات دولار لمشاريع الطرق وتوليد الطاقة بالقوى المائية والبنية التحتية والزراعة.
وجاء العرض بعد أن زار سلفا كير، رئيس جنوب السودان، بكين لطلب الدعم من الصين التى لها مصالح نفطية كبيرة فى كل من جنوب السودان والسودان.
وأدى صراع يحتدم منذ فترة طويلة بين السودان وجنوب السودان حول رسوم تصدير النفط وترسيم الحدود والمواطنة إلى وقف كل إنتاج النفط تقريبا فى البلدين اللذين يمتلكان أحد أهم الموارد النفطية فى أفريقيا. وتعتمد دولة جنوب السودان على النفط الذى يمثل 98% تقريبا من عائداتها وتسبب وقف إنتاج النفط فى وضع اقتصادها تحت ضغط. وأوضح الوزير أن الأموال الصينية ستقدم خلال العامين القادمين وأن شركات صينية ستتولى تنفيذ المشاريع فى جوبا، حيث تعتبر الصين أكبر مستثمر بالفعل فى حقول النفط فى جنوب السودان من خلال شركتى تشاينا ناشيونال بتروليم كورب وسينوبك الحكوميتين العملاقتين فى مجال النفط.
وعندما انفصل جنوب السودان الذى ليس له أى منفذ بحرى عن السودان العام الماضى أصبح يسيطر على ثلاثة أرباع إنتاج السودان من النفط قبل التقسيم فى حين توجد معظم أنابيب النفط التى تستخدم فى تصدير الخام فى السودان.
من جانبه، نفى سلفا كير، العائد من زيارة رسمية للصين، أى مسؤولية لقواته المسلحة عن أى أضرار فى حقل هجليج النفطى، المتنازع عليه خلال سيطرتها عليه طيلة 10 أيام فى وقت سابق من الشهر الجارى.
وقال إن قواته «انسحبت من المنطقة الجمعة الماضى بعد أن تعرضت لضغوط دبلوماسية مكثفة».
وأوضح كير أمام الآلاف من أنصاره الجمعة: «ليس لدينا مبرر لتدمير مصافى النفط فى المنطقة أو أى من المناطق المتنازع عليها، لأن هذه المناطق ملكنا»، مضيفا أن أمر الانسحاب من هجليج صدر فقط لتفادى العزلة الدبلوماسية بعد أن واجهت سيطرة قوات الجنوب على الحقل النفطى انتقادات حادة من الأمم المتحدة.
وأظهرت صور التقطتها الأقمار الصناعية دمارا كبيرا فى البنية التحتية فى هجليج، حيث تبادل الطرفان الاتهامات بتدمير المنشآت فى إطار حرب كلامية صاحبت القتال، الذى دار عبر الحدود التى تمتد لمسافة 1800 كيلو متر بين البلدين. وتوقف أغلب الإنتاج النفطى للبلدين بسبب القتال، علما بأن حقل هجليج ينتج نصف إنتاج السودان من النفط، الذى يبلغ 115 ألف برميل يوميا.
وفى واشنطن، رأت مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية السابقة، جنداى فريزر، أن هناك مواقف أمريكية بدأت تتشكل لمواجهة الحكومة فى الخرطوم. وقالت إن الولايات المتحدة والصين لاعبان مهمان ويمكن أن يلعبا دورا حيويا فى إنهاء النزاع بين دولتى السودان، وممارسة ضغوط على الطرفين عبر استخدام الحوافز والعقوبات. وذكرت فريزر فى حديث مع «سى.إن. إن» أنه خطأ استراتيجى أن يقف المجتمع الدولى مع السودان وجنوب السودان على قدم المساواة، وزعمت أن السودان كان المعتدى فى النزاع الأخير مع الجنوب، وأقرت بأن الجنوب حليف وشريك للولايات المتحدة، ولذلك فإن بلادها ليست وسيطا محايدا بين الدولتين، مشيرة إلى أن واشنطن تدعم وساطة الاتحاد الأفريقى بين الخرطوم وجوبا.
ويرى مراقبون أن تصريح «فريزر» يصب فى خانة القلق الذى تبديه واشنطن من النفوذ المتصاعد للصين فى دولتى السودان وفى أفريقيا بشكل خاص حيث توافر المواد الخام الرخيصة فيما بات يعرف بين المراقبين باسم «حرب المعادن» بين بكين وواشنطن.
0 التعليقات:
إرسال تعليق