«صناعة الرئيس» حرفة ومهنة وفن مستقل بذاته عرفته الدول التى قطعت مشوارا طويلا فى الممارسة الديمقراطية، وغاب تماما عن الدول ذات الطابع الديكتاتورى، هذه الصناعة تصبح ضرورية عندما تخطو إحدى الدول خطواتها الأولى فى اتجاه الديمقراطية، فترى هل يمكن أن تتحقق عندنا هذه الصناعة، ونجد العوامل والمفردات والمقومات والمؤسسات التى تعمل على صناعة الرئيس كما هو الحال فى بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا خاصة بعد أن تقدم للترشح للرئاسة 23 شخصا، أم أننا سنظل نسير بشكل غير محسوب أو مدروس أقرب إلى العشوائية.
مقومات الرئيس كما يراها الخبراء والمحللون السياسيون، منها على سبيل المثال المناخ الديمقراطى والظهور فى وسائل الإعلام والقائمون على الحملات الانتخابية والتسويق السياسى، وغيرها من المفردات السياسية. فالإعلام يمثل نصف معركة الرئاسة، ووصل الأمر إلى درجة أن اعتبر البعض من يربح المعركة الرئاسية هو الرابح لقضيته فى الإعلام. كما يأتى المال السياسى بمثابة «حليب الأم للرضيع». وتلعب منظمات المجتمع المدنى «أيقونة الديمقراطية فى العالم»- على حد تعبير أعضائها- دورا حيويا فى صناعة الرئيس، هذا فضلا عن أن الجهل بالمعلومات والقضايا المهمة بالوطن قد تضعف من فرص الرئيس وتضعه فى مواقف محرجة مع الجمهور. وتشكل الحملات الانتخابية ضرورة قصوى للرئيس المحتمل، كما لعبت بيوت الخبرة العالمية فى هذا المجال دورا حيويا فى نجاح الرئيس «بيل كلينتون» عندما استغل أعضاء الحملة الكاريزما التى تمتع بها «كلينتون» والوصول به إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تعتبر الولايات المتحدة هى النموذج الأمثل لصناعة الرؤساء.
أمريكا: بيوت الخبرة والإعلام والاستطلاعات تحدد ساكن البيت الأبيض
تعتبر الحالة الأمريكية نموذجا مميزا لانتخابات الرئاسة، وكل حالة من اختيارات الشعب بمثابة تجربة جديدة فى السباق الرئاسى الأمريكى، وعلى سبيل المثال فنجاح الرئيس الأمريكى جونسون بنى على استطلاعات الرأى العام الذى جاء من خلال استنتاجات إحصائية تتمثل فى سؤال ماذا يريد الناس ثم برمجة القادم على برامج ما يطلبه الناس، أما نيكسون فقد أسهم التليفزيون فى صناعته حسب رغبة المشاهدين فى فترة الستينيات، فيما يتعلق بعالم الأناقة والمظهر والرتوش والظلال. فى عام 1984حدث التحول التقنى حين حصد الرئيس ريجان نتيجة الانتخابات تحت تأثير رتشارد ريزلن مستشاره فى الاستطلاعات الذى شحن العقول الإلكترونية بـ(الشعور الدينى) الذى تزايد فى الولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم وامتزج باليمين المحافظ وذلك كردة فعل تجاه حركات التحرر الشبابية الهيبز وغيرها من حركات الاحتجاج حيث تبنت الحملة آراء التيار الدينى المحافظ والمتمثل فى منع الإجهاض وعودة تدريس الدين فى المدارس. كل ذلك كان وفق برمجة عقل الناخب باستخدام العقل الإلكترونى
وفى روسيا: الطريق إلى الكرملين مرهون بـ«المال» أو «المخابرات»
مقومات صناعة الرئيس قى التجربة الروسية تختلف من مرحلة إلى أخرى، فبعد أن كان الحزب الشيوعى السوفيتى هو الذى يحدد الرئيس بداية من الثورة البلشيفية وحتى حركة البروسترويكا «إعادة البناء» التى أسقطت الحكم الشيوعى، أصبح النزاع على كرسى الكرملين الكبير مرهوناً فى الغلب بالمال السياسى أو بتدخل المخابرات، ويوضح الدكتور سامى عمارة مدير مكتب الأهرام فى روسيا أبعاد تجربة انتخابات الرئاسة وطريقة صناعة الرئيس فى روسيا قائلا: إن انتخابات الرئاسة الروسية لم يحكمها منذ البداية استراتيجية محددة حيث جاء الرئيس «جورباتشوف» بناء على ترشيح اللجنة المركزية للحزب الشيوعى السوفيتى، هذا بخلاف وصول «بوريس يلتسن» للحكم
.. وفرنسا: الأحزاب فى سباق مستمر للظفر بقصر الإليزيه
تتسم الانتخابات الرئاسية الفرنسية بالوضوح والشفافية فلا يحق لرئيس أو مرشح رئاسى إخفاء أى معلومة شخصية تهم المجتمع الفرنسى كما يقول الدكتور سعيد اللاوندى خبير العلاقات السياسية الدولية بالأهرام، وأضاف أنه عندما أصيب الرئيس «فرنسوا ميتران» بالسرطان كانت تخرج التقارير الطبية فى نسختين إحداهما للرئيس والأخرى للشعب وذلك فى ضوء الوضوح والشفافية
خبراء: الإعلام والمال السياسى يسيطران على الانتخابات المصرية
ما هو الدورالذى يلعبه الإعلام ومؤسسات المجتمع المدنى والمال السياسى والدعاية فى صناعة الرئيس، وهل طريقة صناعة الرئيس فى الدول الكبرى التى تعتمد على النظام الرئاسى موجودة فى مصر.. يقول الخبير الإعلامى ياسر عبدالعزيز: إن الإعلام لاعب أساسى فى صناعة «الرئيس» مستندا إلى التعريف الشهير للمفكر الأمريكى «بول كورجمان» أن المرشح الرئاسى الأمريكى «آل جور» كان أقرب إلى النجاح من منافسه «جورج دابليو بوش» فى الانتخابات التى تنافس فيها على منصب الرئيس لولا أن بعض الإعلاميين الكبار ووسائل الأعلام المهمة انحازت إلى «دابليو بوش» وأضاف: يتفق الكثير من الباحثين والمحللين السياسيين على أن وسائل الإعلام تلعب دورا رئيسيا فى بلورة اتجاهات الناخبين حيال المرشحين فى العملية السياسية التنافسية إلى حد أن مفكراً كبيراً مثل «جون اسبوزيتو» يقول «إن الذى يربح المعركة هو من يربح قضيته فى الإعلام
0 التعليقات:
إرسال تعليق