رغم أنه أُجبر على تقديم استقالته من رئاسة الوزراء أمام الاحتجاجات الغاضبة منذ عام مضى بسبب علاقته بنظام حسني مبارك، فإن الفريق أحمد شفيق استطاع العودة للمشهد السياسي من جديد باعتباره مرشحًا لأول انتخابات للرئاسة بعد مبارك، والتي تبدأ جولتها الأولى 23- 24 مايو 2012.
يمتلك شفيق صوتًا حاسمًا وطبعًا حادًّا يليق برجل جيش، لكن يظل السؤال ما إذا كان المصريون مستعدين للتصويت له لتستمر رئاسة مصر في يد العسكريين أو ذوي الخلفيات العسكرية، خاصة في ظل دوام الهتاف الأشهر في شوارع القاهرة على مدار الشهور الماضية والذي تمثل في جملة واحدة وهي «يسقط حكم العسكر»، وهو الهتاف الذي يراه شفيق «لا يمثل رأي الأغلبية».
خلفية عسكرية
تخرج شفيق، (71 سنة)، من أكاديمية القوات الجوية المصرية عام 1961، وانضم للقوات الجوية وعمره 20 عامًا، بعدها حصل على درجة الماجستير في العلوم العسكرية ودكتوراه في «الاستراتيجية القومية للفضاء الخارجي». وينحدر شفيق من عائلة معظم أفرادها من المسؤولين الحكوميين، فوالده المهندس محمد شفيق، عمل وزيرًا للري، ووالد زوجته الراحلة، عزة توفيق عبد الفتاح، كان وزيرًا للعمل والشؤون الاجتماعية.
وخاض شفيق خلال حياته العسكرية ثلاث حروب؛ حرب شمال اليمن الأهلية عام 1962، وحرب الاستنزاف ضد إسرائيل في الفترة بين 1967 و1970، وحرب 1973 ضد إسرائيل تحت قيادة قائد القوات الجوية آنذاك، حسني مبارك. وفي الفترة من 1984 إلى 1986 خدم شفيق كمُلحق عسكري في سفارة مصر بالعاصمة الإيطالية، روما، وفي سبتمبر 1991 شغل منصب رئيس أركان القوات الجوية حتى عام 1996، وفي ذلك العام أصبح قائدًا للقوات الجوية.
وفي عام 2002 أصبح شفيق أول وزير للطيران المدني، حيث أصدر مبارك قرارًا بإنشاء الوزارة بعد أن ظلت ملحقة بوزارات أخرى لمدة 28 عامًا، وانتقدت المعارضة القرار واتهمت مبارك بـ«حياكة المنصب خصيصا على مقاس شفيق»، بعد أن رفض الأخير منصب سفير مصر في فرنسا. نجا شفيق من تغيير وزاري عام 2005 واستمر في منصب وزير الطيران المدني عشرة أعوام أخرى حتى عام 2011، عندما طلب منه مبارك تشكيل حكومة جديدة يوم 29 يناير، وسط أحداث ثورة يناير، وشغل شفيق ذلك المنصب، لكنه لم يبق فيه سوى شهر واحد.
اعتمدت حملة شفيق لانتخابات الرئاسة على خلفيته العسكرية ونجاحاته كوزير للطيران المدني، فخلال سنواته العشر التي رأس فيها وزارة الطيران المدني، كان واحدًا من الوزراء المعدودين الذين مدحهم النظام وبعض رموز المعارضة والصحفيون والكتاب على السواء، حتى أن البعض طالب بتعيينه رئيسًا للوزراء أو حتى نائبًا لرئيس الجمهورية خلال الأعوام الأخيرة لحكم مبارك.
عُرف شفيق، خلال سنوات رئاسته لوزارة الطيران المدني، بالرجل «صاحب القبضة الحديدية في الإدارة»، ونزوعه للتحكم في أنشطتها المختلفة بنفسه، وقد قام بتغيير القائمين عليها أكثر من مرة، ولم يكن يتردد في استبدال أي شخص لا يرقى أداؤه للتوقعات. وشرع شفيق في خطة طموحة لإعادة بناء مطار القاهرة، ونجح في تحقيق طفرة في شركة «مصر للطيران» وطوّر أداءها حتى أصبحت شركة الطيران الرائدة في الشرق الأوسط وأفريقيا، إلى أن حصلت عام 2008 على عضوية «ستار آلاينس»، أكبر وأهم ائتلاف لشركات الطيران في العالم. وخلال سنواته في الوزارة، استطاع الفريق أن يعيد تجديد مطارات مصر، خاصة بعد أن حوّل مطار القاهرة إلى محور إقليمي، من خلال افتتاح صالة (3) عام 2008، وإنشاء صالة (2) في مطار شرم الشيخ الدولي.
ولكن رغم ذلك، قد لا تكون كل هذه الإنجازات البرّاقة ذات قيمة حقيقية، حيث أقام الموظفون في وزارة الطيران المدني وشركة (مصر للطيران القابضة) أكثر من 40 دعوى قضائية ضد شفيق منذ قيام الثورة، متهمين إياه بالفساد وإهدار المال العام، ولا يزال مصير تلك الدعاوَى القضائية مجهولا، خاصة منذ أن أحالها النائب العام للقضاء العسكري في مايو الماضي، كما أنه لم يتم استدعاء شفيق للتحقيق حتى الآن.
وتزعُم بعض الدعاوَى المُقامة ضد شفيق أنه «بعد اقتراض وزارة الطيران المدني 3.3 مليار جنيه من البنك الدولي لإنشاء صالة رقم 3، مُنيت عملياته بخسارة سنوية أكثر من 500 مليون جنيه»، كما اتهموه بـ«إهدار المال العام باستثمار أكثر من 100 مليون جنيه في بناء مركزين تجاريين بالقرب من مطاري القاهرة وشرم الشيخ»، وهما المشروعان اللذان «فشلا في تحقيق أية أرباح». كما اتهموه أيضا بـ«بيع بعض أراضي الوزارة لبعض رجال الأعمال بأسعار بخسة»، فيما أنكر شفيق كل هذه الاتهامات في عدد من وسائل الإعلام، واصفًا إياها بالاتهامات «المُغرضة».
الانعزال عن الثورة
لا يُخفي شفيق أنه كان واحدًا من رجال مبارك، وأنه دافع عنه حتى اللحظة الأخيرة قبل أن يتخلى عن السلطة في 11 فبراير 2011، فنجده يقول: «عرفت مبارك كما عرفت نفسي» في لقاء تلفزيوني يوم 1 فبراير، ولم يستطع وقتها أن يمنع دموعه وهو يشاهد خطاب مبارك الأخير الذي أعلن فيه أنه «لا ينتوي الترشح للرئاسة». وقال شفيق وقتها إن «الثوار أخذوا النموذج التونسي ويحاولون تطبيقه على مصر، ولكن مصر ليست تونس»، وأضاف: «أي شخص تعامل مع الرئيس يعرف جيدًا أنه وطني حتى النخاع، وإذا أقسم أي شخص لي أن مبارك سيترك البلاد فلن أصدقه، مبارك سيموت على أرض مصر».
لم يقف شفيق في صف الثوار خلال الثمانية عشر يومًا الأولى من الثورة، بل أدت البيانات الإعلامية التي صدرت عنه، باعتباره رئيس الوزراء وقتها، إلى تأجيج غضب المحتجين، ومنها ما قاله عندما عرض توزيع «بونبوني» على المحتجين بميدان التحرير، وهو التصريح المثير للجدل، حيث فسره البعض بـ«الغرور» والبعض الآخر بـ«العفوية».
واستمر شفيق في تصريحاته المناوئة للثورة، حتى أنه شكك في شرعية الثورة قائلا: «المصريون ليسوا جميعًا في التحرير، بل في منازلهم»، واستمرت لقاءاته التلفزيونية على نفس النهج، ولكن تظل أشهر تصريحاته الغاضبة حين قال «أنا حاربت وقتلت واتقتلت» أثناء برنامج تليفزيوني على قناة «أون تي في»، وأصبحت تلك الجملة بعدها نكتة تجري على لسان المصريين لشهور.
ورفض شفيق الإشارة للاحتجاجات الشعبية باعتبارها ثورة أو حتى انتفاضة، بل فضل الإشارة إلى ما حدث باعتباره «تعبيرا جمعيا عن الغضب»، كما اتهم المحتجين بأنهم «السبب في تردي الحالة الاقتصادية والأمنية للبلاد»، إلا أن ذلك تغير عقب «موقعة الجمل» يوم 2 فبراير 2011، التي هاجم فيها مؤيدو مبارك المحتجين في «التحرير» بأسلحة بيضاء وهم يعتلون ظهور الجمال والأحصنة، وقتل في تلك المعركة 8 متظاهرين على الأقل وجرح ما يزيد عن ألف.
وقد مثلت «موقعة الجمل» ضربة قوية لشفيق، الذي كان قد خرج قبلها بيوم واحد على التليفزيون ليعد المتظاهرين في ميدان التحرير بـ«ألا يمسَّهم سوء». وينكر شفيق أي مسؤولية له في الهجوم، ويقول إنه لم يعلم بشأن ما حدث إلا بنهاية اليوم، وقال بعد توليه رئاسة الوزراء بأربعة أيام: «ما حدث لم يكن مسؤوليتي، ولم يكن لدي أية سيطرة على وسائل الإعلام، الرئيس والمخابرات والقوات المسلحة هم من يجب أن يُسألوا عما حدث». ويحاول شفيق اليوم التقليل من تأثير تلك الواقعة على حملته الانتخابية، وعلى قيام المحتجين بإجباره على التقدم باستقالته يوم 3 مارس 2011، ففي مارس 2012، قال شفيق في لقاء تلفزيوني: «ربما لم أكن مقبولا منذ عام مضى، لكن الوضع تغير الآن»، وزعم أنه بعد مرور عام على الثورة أصبح على علاقة «جيدة» بالثوار.
وأضاف: «نصف الناس الموجودين في التحرير الآن يكلمونني ويزورونني في منزلي، بينما يخبرني بعضهم أنهم تعرضوا للخداع»، وتابع: «كانت هناك مؤامرة للإطاحة بي».
الوقوف وحيدًا
ورغم أن شفيق ليس لديه خلفية سياسية، فإنه يبدو واثقًا من فوزه، وهو لا يتمتع بشعبية كبيرة لدى القوى الإسلامية التي تسيطر على 70% تقريبًا من البرلمان، فموقع جماعة «الإخوان المسلمين» مثلا نشر تقريرًا الشهر الماضي يتهم شفيق بـ«السماح للوزراء الفاسدين في عهد مبارك بنقل أموالهم خارج البلاد أثناء فترة رئاسته القصيرة للوزراء»، كما وجّه له اتهامات أخرى تتعلق بـ«إهدار أموال الدولة وعسكرة المناصب العليا في وزارة الطيران المدني بمرتبات هائلة».
أما حزب «النور» السلفي، الذي يأتي في المرتبة الثانية في البرلمان بعد حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، فقال إن شفيق «طلب منه دعمه»، إلا أن شفيق أنكر ذلك. ولا يوجد بين شفيق والسلفيين قواسم مشتركة تقريبًا، كما أن هناك مرشحين إسلاميين يخوضون سباق الرئاسة، ما يُضعف فرص دعم الإسلاميين لشفيق. من ناحية أخرى، فقد أعلن السيد البدوي، رئيس حزب «الوفد» الليبرالي، في مارس الماضي أن شفيق «لديه فرصة ضئيلة في الفوز بدعم الحزب، أو دعم الأحزاب الليبرالية الأخرى»، كما أن شفيق ليس لديه فرصة أيضا مع القوى اليسارية، خاصة بسبب رؤيته الاقتصادية النيوليبرالية وعلاقته بالنظام السابق، فضلا عن التفاف اليساريين حول مرشحيهم.
ويبحث شفيق عن الدعم في مكان آخر، إذ يقول: «لا أعتمد على كتلة سياسية بعينها وهدفي هو العائلة المصرية العادية بكل أعمارها».
ولا تقتصر علاقات شفيق بنظام مبارك على المؤسسية فقط، فالكثيرون يرون أنه «يتشارك مع رموز نظام مبارك في نفس القيم الاستبدادية والأبوية»، وبدا هذا واضحًا في عدد من اللقاءات التليفزيونية التي ظهر فيها، حيث كان يرفض أي نوع من الانتقاد له. ويرى الكثيرون أن المنافسة قوية بين شفيق والدبلوماسي عمرو موسى، فالاثنان من رجال مبارك المنحدرين من نظامه، وأسهما بشكل أو بآخر في استقرار ذلك النظام لسنوات طويلة.
ويصف البعض حملة شفيق الانتخابية بأنها «تعاني من انفصام في الشخصية»، فقد ظهر في أحد المؤتمرات الانتخابية في مدينة الأقصر يمتطي ظهر حصان أبيض ليروّج لنفسه كشخص تقليدي محافظ، «ابن القرية»، الذي سيقود مصر نحو نهضتها، وهو ما يتناقض مع مجموعة «البلوفرات» الكاچوال التي يرتديها شفيق عادة في لقاءاته التليفزيونية، والتي أثارت تعليقات ساخرة عبر البلاد.
ويتهم الكثيرون شفيق بأنه «مدعوم من المجلس الأعلى للقوات المسلحة»، وخاصة من رئيس المجلس، المشير حسين طنطاوي، حيث أعلن شفيق ذات مرة أنه «استشار طنطاوي قبل أن يقرر الانضمام لسباق الرئاسة»، كما أن شفيق، الذي كان رفيقًا للمشير على مدى 21 عامًا، يتجنب بشدة الحديث عن المجلس العسكري أو انتقاده.
البعث من جديد
تعد عودة شفيق للسباق الرئاسي بعد استبعاده مفاجأة من العيار الثقيل، فقد تم استبعاده بعد تعديل لقانون مباشرة الحقوق السياسية، تم إقراره من مجلس الشعب، ثم صدَّق عليه المجلس العسكري، وبعد يوم واحد من التصديق أعلنت لجنة انتخابات الرئاسة استبعاده، ولكن شفيق لم يستسلم، وطالب أنصاره بعدم تنظيم المظاهرات الاحتجاجية، ليخوض معركة جديدة مع البرلمان.
وكانت لجنة الانتخابات قد استبعدت شفيق استنادًا إلى التعديلات التي أقرت مؤخرا على قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية، والذي عرف بقانون «العزل السياسي» وشملت تعديلاته وقف مباشرة الحقوق السياسية لكل من عمل خلال العشر سنوات السابقة على 11 فبراير 2011، تاريخ تنحي الرئيس السابق، مبارك.
ولكن سرعان ما تراجعت لجنة الانتخابات لتسمح لآخر رئيس وزراء في عهد مبارك، بالعودة إلى سباق الرئاسة بعد أن قبلت طعنه في قرارها السابق باستبعاده، خشية بطلان الانتخابات إذا ما تم الطعن في دستورية قانون «العزل السياسي».
مترجم عن الطبعة الانجليزية «إيچبت إندبندنت»
www.egyptindependent.com
المصرى اليوم
0 التعليقات:
إرسال تعليق