بعد أقل من يوم واحد على إعلان أبو العز الحريري ترشحه للرئاسة، قام برفع دعوى قضائية تطالب اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة بوقف الانتخابات، وطوال مسيرته السياسية يصرُّ «الحريري»، الذي ترشح عن «حزب التحالف الشعبي الاشتراكي»، على لعب دور في الحياة السياسية، رغم انتقاد شروطها دون كلل، سواء جاءت انتقاداته لصفقات الكواليس أو للقوانين العنصرية أو المعيبة.
و«الحريري»، الذي استمر في المشهد السياسي، منذ أن انتخب للبرلمان للمرة الأولى وهو في الثلاثين من عمره عام 1976، لديه تاريخ طويل من حزم حقائبه والرحيل عن مناصبه، بسبب شخصيته التي تسبب له الأذى أحيانا، حيث يقول: «أنا دائمًا مطرود أو مرفود، فعلى مدار 13 عامًا، فصِلت من عملي، وطردت مرتين من منظمات وطنية، ومرة من البرلمان، وأخرى من (الاتحاد الاشتراكي) وثالثة من حزب (التجمع)».
وبشكل ما، ينجح «الحريري» في إعادة نفسه إلى البوتقة مرة أخرى والاستمرار في دائرة الضوء على مدار السنوات.
ويصف «الحريري» نفسه بأنه «يضع نفسه في المرتبة الثانية بعد المصلحة العامة»، والتي «يحارب ويُطرد من أجلها».
وعادة ما يكون السياسيون اليساريون مدافعين في الصفوف الأولى عن الفلاحين والعمال، وفي حالة «الحريري» يمكن لحزبه اليساري أن يعلن بشكل شرعي أن لديه سياسياً محنكاً ورجلاً من الناس فعلاً.
احتجاج بتلميع الأحذية
بعد إنهاء تعليمه الثانوي، كان «الحريري» عاملاً بالشركة الوطنية للغزل والنسيج، والتي شهدت أيضا بداية نشاطه العمالي وانخراطه في السياسة اليسارية، وفي عام 1975 طرد من عمله، بسبب نشاطاته السياسية، فدخل سباق الانتخابات البرلمانية عام 1976 بالإسكندرية، عن دائرة كرموز على مقعد العمال، وفي 1977 سحب البرلمان منه الحصانة، بسبب مشاركته في احتجاجات عمالية، ثم عاد إلى البرلمان مرة أخرى عامَي 2000 و2011.
ويشير «الحريري» أو مؤيدوه بشكل مسرحي ما إلى أنه عمل ملمِّع أحذية ليجد قوت يومه بعد طرده من شركة «الغزل والنسيج»، وفي الحقيقة، بعد أن طُرد «الحريري» من الشركة، تم نقله إلى العمل في منجم فوسفات بالغردقة، ولكي يحتج على ذلك القرار، أقام كشك تلميع أحذية أمام شركته القديمة لمدة 10 سنوات.
وخلال فترة حكم السادات اعتقل «الحريري» تسع مرات، بسبب مشاركته في تظاهرات، وعام 1981 اعتقل مع 1531 رمزاً وطنياً في أسوأ حملة شنها السادات على معارضيه.
ويقول «الحريري» إنه «كان هدفًا لست محاولات اغتيال، معظمها كان من الحكومة»، موضحًا أنه «يمكن أن يكون هدفًا مرة أخرى، بسبب مشاركته في انتخابات الرئاسة الآن».
أحد أهم معارك «الحريري» السياسية كانت داخل حزب «التجمع» اليساري عام 2009، وقتها كان «التجمع» أكبر ممثل لليسار في مصر، وخاض «الحريري» سباق رئاسة الحزب ضد رفعت السعيد، وكان اعتراضه الأساسي على «السعيد» هو «انخراطه في مفاوضات وصفقات في الكواليس وتقديم تنازلات للحزب الوطني الديمقراطي» الحاكم آنذاك، وكان «الحريري» يصف معركته بأنها «معركة وجودية».
وبعد خسارته أمام «السعيد» وانتقاده قيادة الحزب، الذي كان جزءًا منه لأكثر من ثلاثة عقود، تم إسقاط عضويته في الحزب، ثم نجح في تأسيس «حزب التحالف الشعبي الاشتراكي» بعد الثورة، بالاشتراك مع رموز اليسار مثل عبد الغفار شكر والروائي صنع الله إبراهيم والعالم السياسي مصطفى كمال السيد وعدد من النشطاء الشباب.
وباعتباره قيادياً ومرشحاً رسمياً لحزب «التحالف الشعبي الاشتراكي»، فالحريري لم يضطر لخوض العملية المرهقة لجمع 30 ألف توكيل لترشيحه للرئاسة، وباعترافه الشخصي، بدأت حملته الانتخابية «متأخرة»، كما أن ترشيح حزب التحالف الشعبي الاشتراكي له «لا يعني أنه يضمن دعم اليسار»، فالكتلة الصغيرة أصلا من النشطاء اليساريين ربما تكون منقسمة بين الحريري وخالد علي، المحامي الحقوقي الذي يترشح للرئاسة مستقلا.
ورغم أن «الحريري» وخالد علي لديهما برامج متشابهة، فإن «الحريري» لديه ميزة نسبية تحسب له بالإشارة إلى تاريخه الطويل من العمل العام والسياسي، كما أن «الحريري» مستعد دائمًا لتغليب الخيارات والمقترحات الراديكالية، فبعد اتفاقية «كامب ديفيد» 1979 بدأ الحريري حملة شعبية لرفض الاتفاقية ووصفها بأنها «خيانة»، كما حشد الآلاف في مظاهرات ترفض الاتفاقية، ويضع إلغاءها الآن على أولوية أجندته كرئيس.
ومن بين الأزمات التي تعرَّض لها «الحريري» موقف حزبه، التحالف الشعبي، والذي ترشح باسمه لانتخابات الرئاسة، منه في طعن قدمه «الحريري» على ترشح المهندس خيرت الشاطر، عن جماعة «الإخوان المسلمين» للانتخابات نفسها، حيث أعلن حزب «التحالف الشعبي» رفضه للطعن، مبرراً ذلك بأن «الخلاف السياسي مع أي فصيل لا يبرر اللجوء للسبل القانونية المستندة على أحكام جائرة أصدرتها محاكم غير نزيهة في حقبة مبارك، للإطاحة بأي مرشح»، في إشارة للحكم الصادر ضد «الشاطر» بالحبس في قضية ميليشيات الجماعة.
وعدَّ البعض موقف الحزب من طعن «الحريري» باعتباره تناقضاً في رؤية كل منهما للأمر، فيما نفى الحزب أي خلاف سياسي بينه وبين «الحريري»، إلا أن الحريري لم يعلق على موقف الحزب، ولاحقًا تم استبعاد الشاطر من السباق الرئاسي من قبل اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة، بعيدًا عن طعن «الحريري».
ولأن «الحريري» كان يسارياً قوياً على مدار حياته السياسية، فقد كان ضد التحول للاقتصاد الحر والتحالف مع الغرب، الذي بدأ في عهد السادات، ويقول: «خلال حكم السادات كنت ناشطًا للاستقلال الوطني، وخلال حكم مبارك كنت ناشطًا ضد الفساد».
وفي البرلمان، كان أبو العز الحريري ناقداً دائماً للحزب الوطني الحاكم، وفيما يخص الفساد، كان يهاجم أحمد عز لاستغلال صداقته بجمال مبارك واحتكاره عقود الحديد والصلب وتصعيده في الحزب الحاكم.
أولوية فضح النظام الفاسد
وبالنظر إلى كلمات وأفعال «الحريري»، يظهر أن حملته ليست مهتمة بالفوز، أكثر من اهتمامها بأن تمارس ما هو معروف عنها، وهو إيجاد أفضل الطرق لفضح النظام بعيوبه والاستمرار في المعترك السياسي في ذات الوقت.
وعندما يُسأل «الحريري» في أغلب اللقاءات عما يطمح إلى تحقيقه من خلال دخوله سباق الرئاسة عن حزب، هو الأقل تمثيلا في البرلمان، حيث إن الحريري واحد من ثلاثة أعضاء عن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي في مجلس الشعب، يرد: «هذه هي السياسة، وهي ما أعرفه وما يجب أن تكون عليه، تغليب الأفكار والبرامج والنماذج الجديدة»، وهي نفس الإجابة التي يقدمها عند سؤاله عن سبب ترشحه، رغم إيمانه بعدم شرعية الانتخابات.
ومنذ الإطاحة بمبارك، لم يدخر «الحريري» جهداً أو يتروَّى في انتقاده للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وللعملية الانتقالية برمتها، فقد رفض كل الاقتراحات بالعفو عن رموز نظام مبارك الفاسدين أو المصالحة معهم، كما أنه دائمًا ما يدافع عن القضايا والمجموعات الثورية.
وشارك «الحريري» في مظاهرة تندد بإجبار سميرة إبراهيم وعدد من الفتيات على الخضوع لكشوف العذرية في السجن الحربي قبل يوم واحد من إعلانه الترشح لانتخابات الرئاسة.
وحتى داخل البرلمان، رغم أنه فاز بأغلبية كاسحة في منطقته، فإن «الحريري» أصرَّ على أن البرلمان «كيان غير شرعي بسبب قيامه على أساس باطل»، وبعدها انتقد «الحريري» تصويت البرلمان على الجمعية التأسيسية للدستور، لأن «البرلمان غير الشرعي لا يمكن أن يكون مسؤولا عن كيفية كتابة الدستور»، حسب قوله.
وقال أحد النشطاء اليساريين في حملة «الحريري»، والذي رفض ذكر اسمه: «إن الحريري يعرف أن اللعبة مزوَّرة، إنه أذكى وأكثر خبرة من أن يتم خداعه، ودوره السياسي أن يكشف كل ذلك، هو يعلم ذلك جيدًا ويعلم ما يفعله».
وما إذا كان «الحريري» ينوي الاستمرار في السباق لانتقاد منافسيه وإبراز أجندة اليسار، أو الفوز بالرئاسة، الذي يصفه بـ«جني ثمار عمر من النشاط السياسي»، فسيظل الرجل يقوم بأفضل ما يُجيده، وهو إعلاء قيمة القضية التي يهتم بها دون اعتبارات أخرى، ومهما كلفه الأمر.
المصرى اليوم
0 التعليقات:
إرسال تعليق